في السنوات الأولى من القرن العشرين كثرت زيارات الأجانب إلى مدينة طنجة، والعديد من هؤلاء الأجانب أرّخوا لهذه الزيارات في كتب أو رسائل عديدة، ومن بينها، كتاب حُرر من طرف "waldim arnist" في 1907 وهو عبارة عن رسائل على لسان طفلة زارت طنجة وقضت بها مدة برفقة مرشدها الاسباني "مانويل" وأسماه بـ "طنجاوية، رسائل طفلة من المغرب" " TANGERINE, a kid لؤلؤة المغرب ".
ونخطف هنا بعض الشذرات من هذه الرسائل هذا الكتاب الذي ترجمته "صحيفتنا" كاملا عبر حلقات. وهو في الحقيقة كتاب له قيمته خاصة وأنه يحتوي على معلومات قيمة إضافة إلى أزيد من 70 صورة التقطت من طرف هذه الطفلة رغم أنه كان يستحيل تقريبا كما تقول في رسائلها أن تصور المغاربة إلا بعد "استراتيجية" أو حيلة لأن دينهم يحرم ذلك.
وتنقل صاحبة الرسائل مختلف جوانب الحياة في طنجة فتصف لباس النساء على أنه عبارة عن ملاءات (الحايك) تلفهن وتغطي وجوههن، مضيفة في استغراب، أن الرجال بدورهم يلبسون لباسا طويلا مشابها (تقصد الجلباب)، لكن استغرابها يزيد عندما تشاهد امراة عارية الوجه ولاحظت أن وجهها تقريبا ابيض مثل وجهها. وهو الاستغراب الذي يدل على الجهل بالأخر الذي كان سائدا في تلك الفترة المباركة على حد قولها
وتقول الكاتبة في رسائلها أنه حيثما ذهبت ترى "الخميسة" معلقة على الابواب أو يعلقها النساء حول أعناقهن لتحفظهن من الشيطان، معلنة على أنها ستحمل احداها معها إلى الوطن، كما ابدت اعجابها بالزهور التي تنمو في طنجة بين أغصان الأشجار وبين الاحجار.
لكنها تكشف جوانب التخلف العديدة في طنجة التي تصفها بمصطلح "town" مما يعني أن طنجة كانت في هذه الفترة بلدة صغيرة في نظر كل أجنبي، فتقول أن البناء هنا يتم عن طريق نقل الاحجار من البحر على ظهر الحمير والبغال والحصان وأنه لا وجود للمركبات (تقصد السيارات بمصطلح العصر)، عدا اثنين في طنجة كلها، فالاعتماد كله على الحمير والبغال، وخدمة البريد جد متخلفة، وأن التعليم يقتصر غالبا على الذكور فقط. بصفة أقل الإناث
وكل السمك الذي يؤكل في طنجة في هذه الفترة كان يخالط مذاقه، "الديناميت"، إذ تقول صاحبة الرسائل انطلاقا من الصفحة 27 إلى صفحة 31 " رأينا رجال يقفون مثل حراس على الاحجار ينتظرون مجيء أسراب السمك.. فيشعلون فتيل خرطوشة الديناميت ويرمونها في البحر محدثة انفجارا، ثم يخلع الرجال ملابسهم ويقفزون إلى الماء لحمل السمك
ومن بين الحقائق التاريخية التي تحملها هذه الرسائل هو التواجد الاسباني المكثف بطنجة، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن أقدمية الهجرة الاسبانية إلى طنجة، فهي تصف مشهدا مهما بهذا الشأن في الصفحة 2 “امرأة اسبانية مسكينة مريضة جدا وابنتها.. في نهاية المركب كان مملوءا بأمتعتهم المنزلية، أعتقد أنهم أتوا إلى هنا للعيش”.
كما أن مرشدها الاسباني مانويل هو اسباني يعيش في طنجة ويفهم اللغة العربية أو لهجة طنجة وكل ما يتعلق بتقاليد وعادات أهلها حتى يبدو وكأنه من سكانها الأصليين. وفي الصفحة 13 تصف صورة التقطتها وتقول عنها “راعي اسباني يقود الماعز”. وعندما كانت تتحدث في احدى رسائلها عن تخلف دكاكين المغاربة وانعدام النظافة بها قالت “يجب أن نقوم بتسوقنا من المتاجر الاسبانية”.
وتصف الكاتبة في موضع أخر في احدى رسائلها الخوف الذي سيطر على سكان طنجة في احدى الليالي عندما رست باخرة حربية في خليج طنجة وأطلقت أضواء كاشفة على المدينة، لكنها لم تفهم ما الداعي إلى ذلك الخوف، وهو في الحقيقة كان خوفا من قصف مفاجئ كالقصف الفرنسي لطنجة سنة 1844 الذي توارث السكان رعبه لأجيال
تعليقات
إرسال تعليق